سورة الأنعام - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا} أي: ابتلينا، {بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} أراد ابتلاء الغني بالفقير والشريف بالوضيع، وذلك أن الشريف إذا نظر إلى الوضيع قد سبقه بالإيمان امتنع من الإسلام بسببه فكان فتنة له فذلك قوله: {لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} فقال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} فهو جواب لقوله: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} فهو استفهام بمعنى التقرير، أي: الله أعلم بمن شكر الإسلام إذ هداه الله عز وجل.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو بن بسطام ثنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي أنا مسدد أنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد عن العلاء بن بشير المزني عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: جلست في نفر من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري، وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام علينا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت القارئ، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «ما كنتم تصنعون؟» قلنا يا رسول الله كان قارئ يقرأ علينا فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم» قال: ثم جلس وسطنا ليدل نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا، وبرزت وجوههم له، قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف منهم أحدا غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة».
قوله عز وجل: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام.
وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهم أجمعين.
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي: قضى على نفسه الرحمة، {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} قال مجاهد: لا يعلم حلالا من حرام فمن جهالته ركب الذنب، وقيل: جاهل بما يورثه ذلك الذنب، وقيل: جهالته من حيث أنه آثر المعصية على الطاعة والعاجل القليل على الآجل الكثير، {ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ} رجع عن ذنبه، {وَأَصْلَحَ} عمله، قيل: أخلص توبته، {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ} {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} بفتح الألف فيهما بدلا من الرحمة، أي: كتب على نفسه أنه من عمل منكم، ثم جعل الثانية بدلا عن الأولى، كقوله تعالى: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} [المؤمنون، 35]، وفتح أهل المدينة الأولى منهما وكسروا الثانية على الاستئناف، وكسرهما الآخرون على الاستئناف.


{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ} أي: وهكذا، وقيل: معناه وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا وإعلامنا على المشركين كذلك نفصل الآيات، أي: نميز ونبين لك حجتنا في كل حق ينكره أهل الباطل، {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} أي: طريق المجرمين، وقرأ أهل المدينة {ولتستبين} بالتاء، {سبيل} نصب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، أي: ولتعرف يا محمد سبيل المجرمين، يقال: استبنت الشيء وتبينته إذا عرفته، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {وليستبين} بالياء {سبيل} بالرفع، وقرأ الآخرون {وَلِتَسْتَبِينَ} بالتاء {سبيل} رفع، أي: ليظهر ويتضح السبيل، يُذكر ويُؤنث، فدليل التذكير قوله تعالى: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا} [الأعراف، 146]، ودليل الثأنيت قوله تعالى: {لم تصدون عن سبيل الله من آمن به تبغونها عوجا} [آل عمران، 99].
قوله عز وجل: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ} في عبادة الأوثان وطرد الفقراء، {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} يعني: إن فعلت ذلك فقد تركت سبيل الحق وسلكت غير طريق الهدى.


{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ} أي: على بيان وبصيرة وبرهان، {مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} أي: ما جئت به، {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} قيل: أراد به استعجالهم العذاب، كانوا يقولون: {إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة} [الأنفال، 32] الآية، قيل: أراد به القيامة، قال الله تعالى: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} [الشوري، 18]، {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ} قرأ أهل الحجاز وعاصم يقص بضم القاف والصاد مشددا أي يقول الحق، لأنه في جميع المصاحف بغير ياء، ولأنه قال الحق ولم يقل بالحق، وقرأ الآخرون {يقضي} بسكون القاف والضاد مكسورة، من قضيت، أي: يحكم بالحق بدليل أنه قال: {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} والفصل يكون في القضاء وإنما حذفوا الياء لاستثقال الألف واللام، كقوله تعالى: {صال الجحيم} ونحوها، ولم يقل بالحق لأن الحق صفة المصدر، كأنه قال: يقضي القضاء الحق.
{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي} وبيدي، {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العذاب {لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي: فرغ من العذاب وأهلكتم أي: لعجلته حتى أتخلص منكم، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10